محمد حسن عبدالله
عدد المساهمات : 59 نقاط : 4494 السٌّمعَة : 10 تاريخ التسجيل : 21/01/2013
| موضوع: نصوص من مزامير داود - أمة التسبيح والتكبير – الإثنين أبريل 15, 2013 1:46 pm | |
| [center]نصوص من مزامير داود - أمة التسبيح والتكبير – (الوجه السابع): قول داود في الزبور : سبحوا الله تسبيحاً جديداً ، وليفرح إسرائيل بخالقه ، وبنو صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمة وأعطاهم النصر ، وسدد الصالحين بالكرامة يسبحون على مضاجعهم ويكبرون الله بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، لينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه يوثقون ملوكهم بالقيود ، وأشرافهم بالأغلال.وهذه الصفات إنما تنطبق على محمد وأمته ، فهم الذين يكبرون الله بأصواتهم المرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس وعلى الأماكن العالية ، قال جابر :كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا عبونا كيؤنا ، واذا هبطنا سبحنا ، فوضعت الصلاة على ذلك.وهم يكبرون اله بأصوات عالية مرتفعة في الأذان ، وفي عبد الفطر ، وعيد النحر ، وفي عشر ذي الحجة ، وعقيب الصلوات في أيام منى ، وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره ، فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون ، حتى ترتج منى تكبيراً وكان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.ويكبرون أيضاً على قرابينهم وضحاياهم ، وعند رمي الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وعند محاذاة الحجر الأسود ، وفي أدبار الصلوات الخمس.وليس هذا لأحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم ، فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق ، والنصارى بالناقوس.وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله وأمته .وقوله بأيديهم سوف ذات شفرتين فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة بها البلاد، وهي إلى اليوم معروفة لهم .وقوله يسبحون على مضاجعهم هو نعت للمؤمنين الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم .ومعلوم قطعاً أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم ، فإنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة ، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ينتقم الله بهم من الأمم ، والنصارى تعيب من يقاتل الكفار بالسيف ، وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمد صلى الله عليه وسلم ، ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى قاتل الكفار ، وبعده يوشع بن نون ، وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، وقبلهم ابراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.(الوجه الثامن): قول داود: ومن أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد أيها الجبار السيف ، لأن البهاء لوجهك ، والحمد الغالب عليك ، أركب كلمة الحق ، وسبحت التأله : فإن ناموسك وشرائعك مرونة بهيبة يمينك ، وسهامك مسنونة ، والأمم يخرون تحتك.وليس متقلد السيف بعد داود من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي خرت الأمم تحته ، وقرنت شرائعه بالهيبة ، إما القبول ، وإما الجزية ، وأما السيف .وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : نصرت بالرعب مسيرة شهر .وقد أخبر داود أن له ناموساً وشرائعاً ، وحاطبه بلفظ الجبار إشارة إلى قوته وقهره لأعداء الله ، بخلاف المستضعف المقهور ، وهو صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، وامته أشداء على الكفار رحماء بينهم ، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، بخلاف الأذلاء المقهورين المستكبرين ، الذي يذلون لأعداء الله ويتكبرون عن قبول الحق.(الوجه التاسع): قول داود في مزمور آخر : إن الله سبحانه أظهر من صهيون إكليلاً محموداً ، وضرب الإكليل مثلاً للرياسة والإمامة ، ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال في صفته ويحوز من البحر إلى البحر ، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض ، وإنه لتخر أهل الجزائر بين يديه لعى ركبهم ، وتلحس أعداؤه التراب ، تأتيه ملوك الفرس وتسجد له ، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد ، ويخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ، ويرأف بالمساكين والضعفاء ، ويصلى عليه في كل وقت ويبارك.ولا يشك عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات وعرف سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة أمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه وعلى أمته لا على المسيح ولا على نبي غيره، فإن حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي ، ومن لدن الأنهار جيحون وسيحون والفرات إلى منقطع الأرض بالغرب، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها .وهو الذي يصلى عليه ويبارك في كل حين وفي كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها ، وهو الذي خرت أهل الجزائر بين يديه : أهل جزيرة العرب ، وأهل الجزيرة التي بين الفرات ودجلة ، وأهل جزيرة الأندلس ، وأهل جزيرة قبرص ، وخضعت له ملوك الفرس فلم يبق فيهم إلا من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون ، بخلاف ملوك الروم فإن فيهم من لم يسلم ولم يؤد الجزية ، فلهذا ذكر في البشارة ملوك الفرس خاصة ، ودانت له الأمم التي سمعت به وبأمته ، فهم بين مؤمن به ومسالم له ومنافق معه وخائف منه ، وأنقذ الضعفاء من الجبارين ، وهذا بخلاف المسيح فإنه لم يتمكن في حباته ، ولا من أتبعه بعد رفعه إلى السماء ، ولا حازوا ما ذكر ، ولا يصلون عليه ويباركون في اليوم والليلة، فإن القوم يدعون إلا هيته سدس.)الوجه العاشر): قوله في مزمور آخر لترتاح البوادي وقراها ولتصير أرض فيدار مروجاً ، ولتسبح سكان الكهوف ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب ، ويذيعوا تسابيحه في الجو.فمن أهم البوادي من الأمم سوى أمة محمد ؟! ومن قيدار غير ولد اسماعيل أحد أجداده صلى الله عليه وسلم؟! ومن سكان الكهوف وقلل الجبال سوى العرب؟! ومن هذا الذي دام ذكره إلى الأبد غيره؟!.(الوجه الحادي عشر): قوله في مزمور آخر : إن ربنا عظم محموداً وفي مكان آخر إلهنا قدوس ومحمد قد عم الأرض كلها فرحاً فقد نص داود على اسم محمد وبلده وأن كلمته قد عمت الأرض.(الوجه الثاني عشر): قوله في الزبور لداود: سيولد لك ولد أدعى له أباً ويدعي لي ابناً اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس أنه بشر.وهذه أخبار عن المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهما بزمن طويل ، يريد ابعث محمداً حتى يعلم الناس أن المسيح بشر ليس إلهاً ، وأنه ابن البشر لا ابن خالق البشر ، فبعث الله هادي الأمة وكاشف الغمة فبين للأمم حقيقة أمر المسيح وأنه عبد كريم ونبي مرسل ، لا كما ادعته فيه النصارى ولا كما رمته به اليهود . (الوجه الثالث عشر): قوله في نبوة أشعياء :قيل لي أقم نظاراً فانظر ما يرى تخبر به ، قلت أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل ، يقول أحدهما لصاحبه : سقطت بابل وأصنامها على الأرض.وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح ، وراكب الجمل هو محمد صلوات الله وسلامه عليهما ، وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم سقطت أصنام بابل لا بالمسيح ، ولم يزل في إقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد ابراهيم الخليل إلى أن سقطت بمحمد صلى الله عليه وسلم.(الوجه الرابع عشر): قوله في نبوة أشعياء أنه قال عن مكة : ارفعي إلى ما حولك بصرك ، فستبهجين وتفرحين من أجل أن الله تعالى يصير إليك ذخائر البحر ، وتحج إليك عساكر الأمم ، حتى تعم بك قطر الإبل المؤبلة ، وتضيق أرضك عن المقطرات التي تجتمع إليك ، وتساق إليك كباش مدين ، وتأتيك أهل سبأ وتسير إليك أغنام فاران ، وتخدمك رجل نبايوت.يريد سدنة الكعبة وهم أولاد نبايوت بن اسماعيل.قالوا : فهذه الصفات كلها حصلت لمكة ، فإنها حملت إليها ذخائر البحر ، وحج إليها عساكر الأمم ، وسيق إليها أغنام فاران هدايا وأضاحي وقرابين ، وضاقت الأرض عن قطرات الإبل المؤبلة الحاملة للناس وأزوادهم ، وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن.)الوجه الخامس عشر : (قول أشعياء في مكة أيضاً: وقد أقسمت بنفسي كقسمي أيام نوح أني أغرق الأرض بالطوفان إني لا أسخط عليك ولا أرفضك ، وإن الجبال تزول وإن التلاع تنحط ورحمتي عليك لا تزول.ثم قال : يا مسكينة ، يا مضطهدة ، ها أنا ذا بان بالحسن حجارتك ، ومزينك بالجواهر ، ومكلل باللؤلؤ سقفك ، وبالزبرجد أبوابك ، وتبعدين من الظلم فلا تخافي ، ومن الضعف فلا تضعفي ، وكل سلاح يصنعه صانع فلا يعمل فيك ، وكل لسان ولغة تقوم معك بالخصومة تفلحين معها ، ويسميك اله اسماً جديداً - يريد أنه سماها المسجد الحرام - فقومي فأشرقي فإنه دنا نورك ، وقار الله عليك ، انظري بعينيك حولك ، فإنهم مجتمعون. يأتونك بنوك وبناتك عدواً فحينئذ تسرين وتزهوين ، ويخاف عدوك ، وليتسع قلبك ، وكل غنم قيدار تجتمع إليك ، وسادات نبايوت يخدمونك.ونبايوت هم أولاد نبايوت بن اسماعيل .وقيدار جد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخو نبايوت بن اسماعيل.ثم قال : وتفتح أبوابك بالليل والنهار لا تغلق ، ويتخذونك قبلة، وتدعين بد ذلك مدينة الرب.)الوجه السادس عشر) : قوله أيضاً في مكة : سرى واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح ، وافرحي ولم تحبلي ، فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي.يعني بأهله : بيت المقدس ، ويعني بالعاقر : مكة ، لأنها لم تلد قبل محمد النبي ، نبياً ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد ولد أنبياء كثيرين.(الوجه السابع عشر): قول أشعياء أيضاً لمكة شرفها الله :إني أعطي البادية كرامة لبنان وبهاء كرمل ، وهما الشام وبيت المقدس ، يريد أجعل الكرامة التي كانت هناك بالوحي ، في ظهور الأنبياء بادية بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالحج.ثم قال : ويشق البادية مياه وسواق في الأرض الفلاة ، ويكون بالفيافي والأماكن العطاش ينابيع ومياه ، ويصبر هناك محجة وطريق الحرم ، لا يمر به أنجاس الأمم ، والجاهل به لا يضل هناك ، ولا يكون بها سباع ولا أسد، ويكون هناك ممر المخلصين .)الوجه الثامن عشر): قول أشعياء أيضاً في كتابه عن الحرم : إن الذئب والجمل فيه يرتعان معاً، وإشارة إلى أمنه الذي خصه الله به دون بقاع الأرض ، ولذلك سماه البلد الأمين ، وقال : أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ، ويتخطف الناس من حولهم ، قال يعدد نعمه على أهله : لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .(الوجه التاسع عشر): قول أشعياء أيضاً معلناً اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني جعلت أمرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب اسمك موجود من الأبد. فهل بقي بعد ذلك لزايغ مقال أو لطاعن مجال؟! وقوله : يا قدوس الرب معناه يا من طهره الرب وخلصه واصطفاه ، وقوله : اسمك موجود من الأبد مطابق لقول داود في مزمور له اسمك موجود قبل الشمس.(الوجه العشرون) : قول أشعياء في ذكر الحجر الأسود ، قال :الرب والسيد ها أنذا مؤسس بصهيون حجراً في زاوية ركن منه ، فمن كان مؤمناً فلا يستعجلنا ، وأجعل العدل مثل الشاقول والصدق مثل الميزان ، فيهلك الذين ولعوا بالكذب.فصهيون تعادل مكة عند أهل الكتاب ، وهذا الحجر الأسود الذي يقبله الملوك فمن دونهم ، وهو ما اختص به محمد وأمته.(الوجه الحادي والعشرون) : قول أشعياء في موضع آخر : إنه ستملأ البادية والمدن قصوراً إلى قيدار ومن رؤوس الجبال ، وينادونهم الذين يجعلون لله الكرامة ويثنون بتسبيحه في البر والبحر.وقال :ارفع علماً لجميع الأب من بعيد ، فيصفر بهم من أقصى الأرض فإذا هم سراع يأتون.وبنو قيدار هم العرب ، لأن قيدار هو ابن اسماعيل بإجماع الناس والعلم الذي يرفع هو النبوة، والصفير بهم دعائهم من أقاصي الأرض إلى الحج فإذا هم سراع يأتون ، وهذا مطابق لقوله عز وجل : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً ، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .(الوجه الثاني والعشرون) : قول أشعياء في موضع آخر :سأبعث من الصبا قوما يأتون من المشرق مجيبين أفواجاً كالصعيد ثرة ، ومثل الطيان الذي يدوس برجله الطين.والصبا يأتي من نحو مطلوع الشمس ، بعث الله سبحانه من هناك قوماً من أهل المشرق مجيبين بالتلبية كالتراب كثرة .وقوله : ومثل الطيان الذي يدوس برجله الطين إما أن يراد به الهرولة بالطواف والسعي ، وإما أن يراد به رجال قد كلت أرجلهم من المشي.(الوجه الثالث والعشرون): في كتاب أشعياء أيضاً: عبدي وخيرتي ورضا نفسي ، أفيض عليه روحي ، أو قال : أنزل عليه روحي ، فيظهر في الأمم عدلي ويوصى الأمم بالوصايا ، لا يضحك ، ولا يسمع صوته ، يفتح العيون العمي العور ، ويسمع الآذان الصم ، ويحيي القلوب الغلف ، وما أعطيه لا أعطي غيره ، لا يضعف ولا يغلب ، ولا يميل إلى اللهو ، ولا يسمع في السواق صوته ، ركن للمتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفى ولا يخصم ، حتى يثبت في الأرض حجتي ، وينقطع به المعذرة.فمن وجد بهذا الوصف غير محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟! فلو اجتمع أهل الأرض لم يقدروا أن يذكروا نبياً جمع هذه الأوصاف كلها – وهي باقية في أمته إلى يوم القيامة – غيره ، لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً.فقوله عبدي موافق لقوله في القرآن وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ، وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، وقوله وأنه لما قام عبد الله يدعوه ، وقوله سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً .وقوله : وخيرتي ورضا نفسي مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: إن اله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بنيي هاشم .وقوله : لا يضحك مطابق لوصفة الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة: ما رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى تبدو لهواته : إنما كان يتبسم تبسماً وهذا لأن كثرة الضحك من خفة الروح ونقصان العقل ، بخلاف التبسم فإنه من حسن الخلق وكمال الإدراك.وأما صفته صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب المتقدمة بأنه الضحوك القتال فالمراد به أنه لا يمنعه ضحكه وحسن خلقه إذا كان حداً لله وحقاً له ، ولا يمنعه ذلك عن تبسمه في موضعه ، فيعطي كل حال ما يليق بتلك الحال فترك الضحك بالكلية من الكبر والتجبر وسوء الخلق ، وكثرته من الخفة والطيش ، والاعتدال بين ذلك.وقوله : أنزل عليه روحي مطابق لقوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ، وقوله : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ، وقوله يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ، فسمي الوحي روحاً لأن حياة القلوب والأرواح به ، كما أن حياة الأبدان بالأرواح.وقوله : فيظهر في الأمم عدلى مطابق قوله تعالى : فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ، وأمرت لأعدل بينكم ، وقوله عن أهل الكتاب : فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط .وقوله : يوصى الأمم بالوصايا مطابق لقوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وقوله في سورة الأنعام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا إلى قوله ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ، ثم قال : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده إلى قوله : ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ، ثم قال : وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون .ووصاياه صلى الله عليه وسلم هي عهوده إلى الأمة بتقوى الله وعبادته وحده لا شريك له ، والتمسك بما بعثه الله به من الهدى ودين الحق ، والإيمان بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ولقائه .وقوله : ولا تسمع صوته يعني ليس بصخاب له فديد كحال من ليس له حلم ولا وقار.وقوله يفتح العيون العمي والآذان الصم والقلوب الغلف إشارة إلى تكميل مراتب العلم والهدى الحاصل في القلوب والأبصار والأسماع ، فباينوا بذلك أحوال الصم البكم العمي الذين لهم قلوب لا يعقلون بها ، فإن الهدى يصل إلى العبد من هذه الأبواب الثلاثة ، وهي مغلقة عن كل أحد لا تفتح إلا على أيدي الرل ، ففتح الله بمحمد صلى الله عليه وسلم الأعين العمي فأبصرت بالله ، والآذان الصم فسمعت عن الله ، والقلوب الغلف فعقلت عن الله ، فانقادت لطاعته عقلاً وقولاً وعملاً، وسلكت سبل مرضاته ذللاً. وقوله : وما أعطيه فلا أعطي غيره مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم أعطيت ما لم يعط أحد من أنبياء قبلي .ولقول الملائكة لما ربوا له المثل : لقد أعطي هذا النبي ما لم يعطى نبي قبله ، إن عينيه ينامان وقلبه يقظان فمن ذلك أنه بعث إلى الخلق عامة ، وختم عامة ، وختم به ديوان الأنبياء ، وأنزل عليه القرآن الذي لم ينزل من السماء كتاب يشبهه ولا يقاربه ، وأنزل على قلبه محفوظاً متلواً ، وضمن له حفظه إلى أن يأتي اله بأمره ، وأوتي جوامع الكلم ، ونصر بالرعب في قلوب أعدائه وبينهما مسيرة شهر ، وجعلت الأرض له ولأمته مسجداً وطهوراً ، وأسرى به إلى أن جاوز السموات السبع ورأى ما لم يره بشر قبله ، رفع على سائر النبيين ، وجعل سيد ولد آدم ، وانتشرت دعوته في مشارق الأرض ومغاربها ، واتبعه على دينه أتباع سائر النبيين من عهد نوح إلى المسيح ، فأمته ثلثا أهل الجنة ، وخصه بالوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة ، وبالمعام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، وبالشفاعة العظمى التي يتأخر عنها آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ، وأعز اله به الحق وأهله عزاً لم يعزه بأد قلبه ، وأذل به الباطل وحبه ذلاً لم يحصل بأحد قبله ، وآتاه من العلم والشجاعة والصبر والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والعبادات القلبية والمعارف الإلهية ما لم يؤته نبي قبله ، ، وجعلت الحسنة منه ومن أمته بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وتجاوز له عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وصلى عليه هو وجميع ملائكته عليهم صلوات الله وسلامه ، وأمر عباده المؤمنين كلهم أن يصلوا عليه ويسلموا تسليماً ، وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر الله ذكر معه كما في الخطبة والتشهد والآذان ، فلا يصح لأحد أذان ولا خطبة ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله ، ولم يجعل معه أمراً يطاع لا ممن قبله ولا ممن هو كائن بعده إلى أن تطوى الدنيا ومن عليها ، وأغلق أبواب الجنة إلا عمن سلك خلفه واقتدى به ، وجعل لواء الحمد بيده ، فأدم وجميع الأنبياء تحت لوائه يوم القيامة ، وجعله أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع وأول مشفع ، وأول من يقرع باب الجنة ، وأول من يدخلها فلا يدخلها أحد من الولين والآخرين إلا بشفاعته ، وأعطى من اليقين والإيمان والصبر والثبات والقوة في أمر الله والعزيمة على تنفيذ أوامره والرضا عنه والشكر له والقنوع في مرضاته وطاعته ظاهراً وباطناً وسراً وعلانية في نفسه وفي الخلق ما لم يعطه نبي قبله.ومن عرف أحوال العالم وسير الأنبياء وأممهم تبين له أن الأمر فوق ذلك ، فإذا كان يوم القيامة ظهر للخلائق من ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أنه يكون أبداً.وقوله: ولا يضعف ولا يغلب هكذا كان حاله صلوات الله وسلامه عليه ما ضعف في ذات الله قط ، ولا في حال انفراده وقلة أتباعه وكثرة أعدائه واجتماع أهل الأرض على حربه ، بل هو أقوى الخلق وأثبتهم جأشاً وأشجعهم قلباً ، حتى أنه يوم أحد قتل أصحابه وجرحوا وما ضعف ولا استكان ، بل خرج من الغد في طلب عدوه على شدة القرح حتى أرعب منه العدو وكر خاسئاً على كثرة عددهم وعددهم وضعف أصحابه ، وكذلك يوم حنين أفرد عن الناس في نفر يسير دون العشرة والعدو قد أحاطوا به وهم ألوف مؤلفة فجعل يثب في العدو ويقول: أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب ويتقدم إليهم ، ثم أخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فولوا منهزمين.ومن تأمل سيرته وحروبه علم أنه لم يطرق العالم أشجع منه ولا أثبت ولا أصبر ، وكان أصحابه مع أنهم أشجع الأمم إذا حمى البأس واشتد الحرب اتقوا به وتترسوا به فكان أقربهم إلى العدو ، وأشجعهم هو الذي يكون قريباً منه وقوله : ولا يميل إلى اللهو هكذا كانت سيرته ، كان أبعد الناس من اللهو واللعب ، بل أمره كله جد وحزم وعزم ، مجلسه مجلس حياء وكرم وعلم وإيمان ووقار وسكينة.وقوله : ولا يسمع في الأسواق صوته أي ليس من الصاحبين في الأسواق في طلب الدنيا والحرص عليها كحال أهلها الطالبين لها.وقوله : ركن للمتواضعين فإن من تأمل سيرته ، وجده أعظم الناس تواضعاً للصغير والكبير والمسكين والأرملة والحر والعبد .يجلس معهم على التراب ، ويجيب دعوتهم ، ويسمع كلامهم ، وينطلق مع أحدهم في حاجته ، ويأخذ له حقه ممن لا يستطيع أن يطالبه به ويخصف نعله ، ويخيط ثوبه.وقوله : وهو نور الله الذي لا يطفا ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجته وينقطع به العذر وهذا مطابق لحاله وأمره ، ولما شهد به القرآن في غير موضع كقوله تعالى: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، وقوله : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وقوله : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، وقوله : يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً وقوله فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ، ونظائره في القرآن كثيرة.وقوله :حتى ينقطع به العذر وتثبت به الحجة مطابق لقوله تعالى: رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، قوله : والمرسلات عرفا - إلى قوله - فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا وقوله : ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ، وقوله : أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فالحجة إنما قات على الخلق بالرسل ، وبهم انقطعت المذرة ، فلا يمكن من بلغته دعوتهم حافها أن يعتذر إلى الله يوم القيامة إذ ليس له عذر يقبل منه.[/center] | |
|