dubizzle دوبيزل
dubizzle دوبيزل
dubizzle دوبيزل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


وظائف خاليه من dubizzle دوبيزل- اعلانات التوظيف بجريدة الاهرام - اعلانات التوظيف بجريدة الجمهورية - تابع اعلانات التوظيف المعلن عنها فى صحف -مصر-السعودية-قطر-الامارات-الدول الاوربية-الاردن اليمن-تونس-العراق-البحرين-سوريا-فلسطين-المغرب-عمان-Jobs
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولرئيسية المنتدى
Diffusé par Adcash

 

  تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه عموما وبتاريخ فلسطين ، وتاريخ القدس بخاصة . . إن المسلم المعاصر لو سئل عن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
saber




عدد المساهمات : 1689
نقاط : 9347
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 27/02/2013

  تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي  أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه  عموما وبتاريخ  فلسطين  ، وتاريخ القدس بخاصة . . إن المسلم المعاصر لو سئل عن Empty
مُساهمةموضوع: تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه عموما وبتاريخ فلسطين ، وتاريخ القدس بخاصة . . إن المسلم المعاصر لو سئل عن     تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي  أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه  عموما وبتاريخ  فلسطين  ، وتاريخ القدس بخاصة . . إن المسلم المعاصر لو سئل عن Emptyالثلاثاء ديسمبر 10, 2013 12:52 pm

تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي
أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه  عموما وبتاريخ  فلسطين  ، وتاريخ القدس بخاصة . .
إن المسلم المعاصر لو سئل عن العام الهجري الذي يعيش فيه لكانت النتيجة مؤسفة ، يقول الكاتب الصحفي سامح كريم ( في رمضان سأل المذيع عددا من الناس عن عامنا الهجري فأجمعت كل الإجابات على أخطاء مؤسفة محصلتها أن الجميع لا يعرفون في أي عام هجري نكون ، وليست هذه الأخطاء مقصورة على معرفتنا بالشهور الهجرية والأعوام ، وإنما تمتد إلى تاريخنا وثقافتنا وتراثنا وحضارتنا العربية الإسلامية ، فمن الصعب أن يعرف البعض منا الأحداث التاريخية الكبرى ، وأصعب أن يعرفوا تراث أجدادهم ، وأشد صعوبة أن يعرفوا معطيات حضارتهم العربية .)
ومن هذه المعطيات الحضارية التي لم يكتف البعض بجهلها ولكن تم دفع بعضهم إلى احتقارها ما كشف عنه الأستاذ محمود محمد شاكر في مقدمته لكتاب " أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني " من كتب التراث  ( عن نظرة الشيخ محمد عبده  إلى ماضينا وكيف أثرت هذه النظرة في تلاميذه ومريديه لتجري أقلامهم بما يؤثر في حياتنا المعاصرة وتكون النتيجة تفريغ الأمة من تاريخها .. في البداية حيث حقق الشيخ رشيد رضا كتاب " أسرار البلاغة " للجرجاني واستهله بمقدمة استهانت بعدد من علماء العرب الأقدمين إلى درجة أنه سمى أعمال أحدهم بأنها  " الرسوم الميتة التي سماها الجهل علما "  ليجيء الشيخ البرقوقي من بعده ويكتب مستهينا بعلماء العرب الأقدمين ، ثم تبين فيما بعد للأستاذ محمود شاكر أن ما قاله الشيخان " رشيد رضا والبرقوقي " ترديد لما كان يقوله الشيخ محمد عبده ، في دروسه ومجالسه في ذم الكتب التي كان طلبة العلم في الأزهر يدرسونها فتلقفوا عنه هذا الطعن دون فحص أو نظر ) !
ويواصل الأستاذ محمود محمد شاكر قائلا : " ولم يقتصر ذم الشيخ محمد عبده على كتب البلاغة وحدها ، بل تناول بالطعن الجارح كل الكتب التي كانت تدرس في الأزهر على اختلاف أنواعها من بلاغة وفقه ونحو ..وذاع هذا الطعن وتناقلته ألسنة المحيطين به من صغار طلبة الأزهر وغيرهم من الطوائف ،  فكان هذا أول صدع في تراث الأمة العربية الإسلامية ، وأول إسقاط لتاريخ طويل من التأليف إسقاطا كاملا ،  يتداوله الشباب بألسنتهم مستقرا في نفوسهم ، وهم في نضارة الشباب لا يطيقون التمييز بين الخطأ والصواب ، وليس عندهم من العلم ما يعينهم على الفصل في المعركة التي دارت بين شيوخ الأزهر والشيخ محمد عبده ،وليس في أيديهم سوى ما قاله الشيخ في التجريح والطعن الذي صدهم صدا كاملا عن هذه الكتب وأورثهم الاستهانة بها ) الأهرام 22\5\1992
وتكون النتيجة تفريغ الدراسة بالأزهر على النحو الذي أصبحنا نشكو منه أخيرا ، وتتضاعف النتائج عند تلاميذ الشيخ من العلمانيين ، ومن يأتي من تلاميذهم ، ثم تكون النتيجة أيضا حصاد أطفال الفتوى الذين يرددون ما قاله أبو حنيفة ومالك والشافعي ، وابن حنبل قائلين : نحن رجال وهم رجال ، وهات يافتوى .. !!  

وفي مجال التاريخ السياسي يعرف الكثيرون منا معرفة غائمة شيئا عن الإسلام في الأندلس ، لكن هل يعرف المسلم المعاصر شيئا  عن فتح الإسلام لنصف فرنسا الجنوبي في القرن الثاني الهجري بهدف تنويرها إسلاميا ، ثم انحسارهم عنها لظروف من الميل لعرض هذه الحياة الدنيا  ؟
لقد سبق إلى محاولة فتح فرنسا السمح بن مالك الخولاني الذي أقامه عمر بن عبد العزيز واليا على الأندلس (100هـ  - 719 م) ، حيث قام بحملة شاملة على فرنسا اخترقت جبال ألبرت من الشرق – وهي تفصل جبال البرانس التي تمتد جنوب غرب فرنسا وتفصل بينها وبين الأندلس ، وتعد حاجزا طبيعيا بين البلدين ، وسيطر على عدد من القواعد هناك واستولى على سبتمانيا ، وأقام حكومة إسلامية جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وفقا للرسالة الحضارية التي جاء بها المسلمون إلى الأندلس آنذاك في هذا الوقت المبكر ، واتخذ من " أربونة " قاعدة للجهاد وراء ألبرت ، ثم استشهد في معركته مع قوى الظلام ، عند تولوز ، في يوم عرفة من سنة 102 هـ 721 ، وفقدت فرنسا بذلك من ثم أول فرصة للتنوير الإسلامي عرضت لها . ثم عرضت فرصة التنوير الإسلامي مرة أخرى إذ دخلها عنبسة بن سحيم الكلبي والي الأندلس الذي كان قد عين عليها عام 103 هـ حيث عبر بجيوشه جبال البرت وتمكن من بسط سلطان التنوير الإسلامي في شرق جنوب فرنسا ، وفي أثناء عودته داهمته جموع الفرنجة – قوى الظلام آنذاك – فأصيب عنبسة في المعركة ثم توفي عام 107 هـ  - 725 مـ  وفقدت فرنسا فرصة أخرى للتنوير الإسلامي .
ثم جاء عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وكان من كبار رجالات الأندلس عدلا وصلاحا  وتنويرا وقدرة وكفاءة ، عين واليا على الأندلس مرتين ، الأولى في عام 102 هـ– 721 م، لمدة عام ، والثانية من قبل والي أفريقيا مؤيدا من الخليفة هشام بن عبد الملك في صفر عام 112 هـ   وفي أوائل عام 114 هـ –732  هـ سار الغافقي بجيوشه نحو الشمال وعبر جبال ألبرت – او البرانس – من طريق بنبلونة ، ودخل فرنسا حيث فتح نصف فرنسا الجنوبي كله ، من الشرق إلى الغرب ، في بضعة أشهر ، بعد معارك ناجحة ضد قوى التخلف والظلام ، وواصل زحفه ، حتى أشرف بجيشه على نهر اللوار ،  وهناك احتشد له شارل مارتل بجيش ضخم من الفرنج ، والمرتزقة نصف العراة ، الذين يتشحون بجلود الذئاب ، و تنسدل شعورهم الجعدة على أكتافهم العارية ، هناك استولى جيش التنوير الإسلامي على بواتييه ، وتوروز  وعبر جيش الظلام الفرنجي نهر اللوار ، وعسكر غربي الجيش الإسلامي ، ثم عزم الغافقي على لقاء أعداء التنوير على الرغم من أن بعض قبائل البربر في جيشه كانت تتوق للانسحاب ، وأن عدد جنوده كان قد قل ، بسبب تخلف حاميات كثيرة في المدن والقرى المفتوحة ، ودامت المعركة تسعة أيام ، دون أن  يحقق الفريقان نصرا حاسما ، وفي اليوم العاشر ، أبدى كلا الطرفين غاية الجلد ،وظهر الإعياء على الفرنج الظلاميين ، وبدت علامات الانتصار لقوى المسلمين – لكن حدث أن افتتح الفرنج ثغرة في غنائم المسلمين فظهرت على أفقهم غمامة من غمامات الظلام التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمثالهم منها في غزوة أحد ، من قبل ، فارتدت قوات منهم إلى الوراء واختلت صفوف المسلمين ، وبينما كان الغافقي يحاول إعادة النظام إلى جيشه أصابه سهم فأرداه شهيدا  ،  فعم الاضطراب بين المسلمين ، وكثر القتل فيهم ، واشتد الفرنج عليهم ، لكنهم صبروا حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل في المعركة ، وذلك في أوائل رمضان 114 هـ  21 أكتوبر 732 م  ، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم في سبتمانيا ، وفي فجر اليوم التالي تقدم شارل مارتل بحذر فوجد معسكرات المسلمين خالية إلا من الجرحى الذين لم يتمكنوا من مرافقة جيشهم ، فأخذهم أسرى ثم ذبحوهم بنذالة واضحة ، وخشي شارل مارتل من أن يتتبع المسلمين مظنة الخديعة منهم ، فاكتفى بانسحابهم ، ولم يتعقبهم ، كما حدث من قبل من قوى الظلام الجاهلي في أحد تماما ، وآثر العودة بجيشه ، إلى الشمال ، وبهذا أخفقت آخر محاولة بذلها المسلمون لتنوير العالم الغربي ، وفقدت فرنسا بالذات فرصتها الحضارية المبكرة  الكبرى للخروج من عصور الظلام كما خرجت أسبانيا ، ودخلت في عصر البيات الظلامي لمدة عشرة قرون ، منذ محاولة الغافقي التي أهديت إليها ففشلت في اغتنامها إلى أن جاء عصر النهضة الأوربية .
ماذا تعرف أجيالنا المعاصرة من ذلك ؟

وماذا يعرف المسلم المعاصر عن بلغراد المدينة الإسلامية عاصمة جمهورية الصرب حاليا ( يوغوسلافيا سابقا ) ؟
لقد فتح العثمانيون بلغراد في 26 رمضان 927 هـ الموافق 29 \8\1521 ولم تكن آنذاك غير قلعة ضخمة في قسمها المرتفع ، وعدة أحياء سكنية في القسم المنخفض ، بحيث كان من الصعب تقدير عدد سكانها بأكثر من عدة آلاف ، وبعد قرن واحد من الفتح الإسلامي كانت قد  تطورت تطورا مثيرا  حيث أصبحت في بداية القرن السابع عشر – كما يقول المؤرخ المعاصر د . بوبو فيتش  - تشبه دمشق أو غيرها من مدن الشرق ، بسكانها ومنشآتها وثقافتها وتقاليدها ، حتى إنها اشتهرت لدى الرحالين الأوربيين باسم بوابة "الشرق" ، وفي ظل الحكم العثماني كما يذكر الرحالة الإنكليزي " براون " أصبحت بلغراد جزءا من عالم يختلف تماما عن الغرب ، جزءا من ذلك العالم الآخر الذي يمتد إلى الصين وأعماق آسيا . ويقول الدكتور محمد الأرناؤط : إذا استثنينا استامبول وبالتحديد القسم الأوربي منها كانت بلغراد في تلك الفترة أكبر وأهم مركز للحضارة الإسلامية في أوربا الوسطى ، وكانت بالتالي نموذجا للمدينة الإسلامية بالمعنى الحضاري .
وبالإضافة إلى ما كانت تقوم به بلغراد من دور تجاري تبادلي مع مصر ودمشق وصيدا وبيروت في ظل الإسلام بلغ ذروته في القرن السابع عشر فقد كانت بوابة أيضا لهذه التجارة مع المجر وبولونيا وتشكوسلوفاكيا والسويد والبندقية ، وكان قسم كبير من الأقمشة يصل من البلاد العربية لحاجات السكان في بلغراد  الذين بغالبيتهم الإسلامية كانوا يعيشون ويتزيون على النمط الإسلامي ، حتى إن المسيحيين من سكان بلغراد أصبحوا مع الزمن يقلدون المسلمين في حياتهم و لباسهم .
ومع اتساع المدينة وتطور المجتمع نشأت فيها حرف كثيرة جديدة لتلبية الحاجات الجديدة لسكان المجتمع ورفاهيتهم ، وكان ذلك كله يخضع للنظم والشريعة الإسلامية ، و للدلالة على ذلك يكفي أن نشير هنا إلى أن العالم منيريري البلغرادي المتوفى عام 1616 ألف لهذا الغرض كتابه بعنوان " نصاب الانتساب وأدب الاكتساب " يعرض فيه لموقف الشريعة من الاقتصاد على ضوء تجربة ما كان يسمى نظام الأصناف " في بلغراد : ويقصد به أصناف الحرفيين من الدباغين والسراجين  إلخ
ومما ساعد على تطور التجارة والحرف في بلغراد المنشآت المختلفة التي كانت ترتبط بالطابع المميز للمدينة الشرقية الإسلامية والتي لم يكن لها مثيل في البلاد المجاورة ، ومن أهم هذه المنشآت كانت استراحات القوافل القادمة من الخارج ، والتي اشتهرت باسم " كارافان ساراي " وكانت على قسمين قسم منها يتبع الأوقاف الإسلامية ويقدم خدماته مجانا ،والقسم الآخر مقابل خدمات رمزية . وإلى جانب هذا كان في بلغراد أيضا " البزستان " وهو ما كان يثير إعجاب الأوربيين ، لكونه يجمع الأصناف الكثيرة من البضائع ، والخانات التي كانت تستخدم كاستراحة للمسافرين وكبيوت للتجارة ،  وتجدر الإشارة إلى أن بلغراد كمدينة إسلامية تميزت بما يسمى "  العمارة " التي هي عبارة عن مطعم شعبي مجاني تابع للأوقاف ، وفي هذه العمارة كان يمكن لأي إنسان أن يدخل ويأكل وجبة كاملة دون أن يدفع قرشا واحدا . ومن المنشآت الاجتماعية في المدينة كانت " دور العزاب " وهي دور كبيرة مجانية مخصصة للشباب الحرفيين الذين كانوا يعيشون حياة العزوبية بانتظار الزواج والانتقال إلى بيوت خاصة بهم .
وكان المسلمون في بلغراد متمسكين بالدين ، ويتبعون المذهب الحنفي ، وقد أشاد الرحالة بنسائهم ووصفوهن بالعفة والتدين  كأن الواحدة منهن  "رابعة العدوية " !.
ومن أهم المناسبات الإسلامية الاجتماعية التي كان يقام لها الاحتفال : المولد النبوي والعودة من حج  ، وتشييد بيت ، والوفاء بنذر ، والشفاء من مرض ، وختن الأولاد .
وإذا كان من عادة العثمانيين حين يدخلون فاتحين إحدى المدن أن يحولوا إحدى الكنائس فيها إلى جامع ليقيموا به الصلاة فورا رمزا لانتصارهم ، فقد أدى ذلك إلى تشويه سلوكهم واتهامهم بأنهم قاموا فور دخولهم بهدم أو تحويل الكنائس إلى جوامع  ، بينما الحقيقة أنه خلال الحكم العثماني زاد عدد الكنائس  ووصل إلى ثمان في منتصف القرن السابع عشر ، وذلك في مقابل مائتين وسبعين  جامعا ومسجدا تقريبا ، تعكس تركيب السكان بين أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية بلغ مجموعهم تقريبا مائة ألف نسمة ، وعلى كل حال فإن ما قام به العثمانيون من تحويل كنيستين إلى مسجدين يعتبر – كما يقول الدكتور محمد الأرناؤط - في قمة التسامح إذا ما قارناه بما حدث بعد ذلك لجوامع بلغراد خلال حرب الاسترداد .
وكان كل مسجد يشتمل على كتَّاب ،  وفي هذه الكتاتيب كان الشيخ يعلم أطفال المسلمين اللغة العربية ليتمكنوا من قراءة القرآن الكريم ، وبالإضافة لهذه الكتاتيب كانت المدارس العامة العليا التي أنشئت لتوفير ما تحتاج إليه الجوامع من كوادر دينية ، وقد استمر عدد هذه المدارس حتى وصل في منتصف القرن السابع عشر إلى ثمان مدارس . وفي إطار الجامع والمدرسة كانت المكتبة وما تشتمل عليه من مخطوطات للأساتذة والطلاب ، وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر كان في بلغراد بالتأكيد آلاف المخطوطات في مكتبات الجوامع والتكايا والمكتبات الخاصة . وفي المدرسة العليا كان الطالب يتعمق في علوم اللغة العربية من النحو والصرف والعروض والبلاغة وعلوم الشريعة من الفقه والتفسير والحديث والعقائد ،  وبالإضافة لذلك كان هناك ما يسمى  "دار القراء " التي تتخصص في القرآن الكريم ، وكان بناء الواحدة منها يحتوي على عشرين قاعة للطلاب ، بالإضافة إلى قسم داخلي يتألف من أربع عشرة غرفة ، وكان لكل طالب غرفة ومصروف خاص ، وكانت هناك أيضا دار الحديث ،ووصل عددها إلى تسع دور ،  وكان ينفق عليها من طرف الأوقاف  . ومع تطور بلغراد وتضخم عدد السكان  فيها انتشرت أبرز الطرق الصوفية وفروعها المعروفة في العالم العربي والإسلامي من مثل البكتاشية ، والرفاعية ، والقادرية ، والنقشبندية ، ألخ  .
وتجدر الإشارة هنا إلى الشاعر حسين باشا البلغرادي الذي توجد له ترجمة وافية في " خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر " حيث يصفه المحبي بأنه " واحد الدهر على الإطلاق " ،والذي عين قاضيا ، ثم انتقل إلى القاهرة وقضى بها بقية حياته إلى أن توفي في شهر رجب ( 1023 - 1614 ) ، وكما يقول بعض الدارسين لشعره ( كان شاعرا جيدا في ذلك الوقت )  ،وبالإضافة إلى الشعر برز في بلغراد عدد من العلماء كالمؤرخ ورجل الدولة فريدون بك ، وشيخ الإسلام عبد الرحيم أفندي ، وعدد من كبار العلماء " لايجاريهم أحد في الامبراطورية العثمانية " أنظر كتاب " الإسلام في يوغوسلافيا من بلغراد إلى سيراييفو" للدكتور محمد الأرناؤط نشر دار البشير بعمان الأردن ، الطبعة الأولى ص 23- 34- 37 ، 49- 51 – 54- 58 – 60 -62
وكان المسلمون الذين يشكلون أغلبية السكان .. من مناطق مختلفة ، وكان الأتراك يمثلون أقلية ، وفي مقابل هؤلاء كان السلاف الجنوبيون من البوسنة يمثلون العدد الأكثر من بين المسلمين ، ويأتي من بعدهم الألبانيون من حيث العدد ، ومن هذا يتضح أن أغلبية المسلمين في بلغراد كانوا من البلقان من البوسنيين والألبانيين ،  ومع هذا فقد درجت العادة على وصف كل المسلمين في بلغراد بالأتراك لتبرير القضاء عليهم فيما جاء بعد ذلك من حرب الاسترداد   . وبهذا كانت بلغراد خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر مركزا من مراكز الثقافة الإسلامية .و نموذجا للمدينة الإسلامية .
وبعد حوادث قاسية جرت للمسلمين في عام 1862 أصبحت المدينة خالية من المسلمين بعد أن استمروا بها أكثر من ثلاثة قرون ، واستمرت عملية الاسترداد الحضاري الكامل حتى تمت بذلك حلقة كاملة من حلقات الإبادة البشرية للمسلمين  المصدر السابق  ص 44 ، 63 – 103
فهل عرفت أجيالنا المعاصرة شيئا عن ذلك ؟ ولم ؟

وما ذا يعرف العربي المعاصر عن فلسطين العربية منذ فجر التاريخ ؟ إنه لمن أخطر مواقع الغزو ذلك الذي استهدف محو ذاكرة العربي فيما يخص تاريخ فلسطين
يقول الدكتور إدوارد سعيد : ربما تكون المعركة الأكبر التي خضناها نحن الفلسطينيين كشعب دارت على حقنا في الوجود ، ومع ذلك الوجود حقنا في تملك واستعادة حقيقتنا التاريخية . ويقدم كتاب ( اختراع إسرائيل القديمة : إسكات التاريخ الفلسطيني )  للبروفسور الاسكتلندي كيث وتلام 1996 بوضوح مذهل – كما يقول إدوارد سعيد – مدى تعمد وتواصل الهجوم الصهيوني على التاريخ الفلسطيني . ويقدم وتلام صورة بالغة الإثارة عن الطمس التدريجي لتاريخ فلسطين القديمة بتاريخ مخترع إلى حد كبير لإسرائيل القديمة ، وهي في حقيقتها كيان سياسي لم يلعب سوى دور صغير في فلسطين التاريخية .
وحسب وتلام فإن فلسطين القديمة كانت موطئا لليبوسيين والكنعانيين وقدماء الفلسطينيين وغيرهم ، لكن بداية القرن الماضي شهدت إسكات هذا التاريخ وطرحه جانبا ، لكي يصبح تاريخ القبائل الإسرائيلية ، ومكن ذلك من إخراس التاريخ الفلسطيني المحلي .
ويذهب دبليو أف البرايت أحد أهم مؤرخي فلسطين القديمة في أوائل القرن الجاري إلى حد الموافقة على تدمير الحضارات الفلسطينية المحلية على يد " القوم المتفوقين " ويكتب : " يبدو في أحيان كثيرة لفيلسوف التاريخ من منظوره المحايد أن من الضروري لشعب من نوع أدنى بشكل ملحوظ ( أي الفلسطينيين الكنعانيين ) الزوال أمام شعب متفوق الإمكانات ، لأن هناك حدا لابد للتمازج العرقي إذا تخطاه أن يتحول إلى كارثة ) .
ويقول دكتور إدوارد سعيد ( مهمتنا كعرب وكفلسطينيين أن نبذل جهدا أكبر في سيرتنا التاريخية ، وذلك ليس كترف فكري لا فائدة حقيقية فيه ، أو كشيء يمكن دوما تأجيل البدء فيه ، لأننا في افتقارنا إلى تاريخ يأتي نتيجة البحث الجاهد والتأليف كقصة متماسكة أشبه بالأيتام الذين لا والد لهم أو مأوى ) الحديث الأسبق لإدوارد سعيد .
ولننظر كيف يجهل أبناؤنا تاريخ فلسطين إلى الحد الذي لا يجدون في ثقافتهم اليوم ما يقاومون به الدعاية الإعلامية التي تكرر على مسامعهم ادعاء اليهود أن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض .. وأن اليهود هم أصحاب الحق التاريخي في هذه الأرض …سم يصب في رءوسهم ، فهل حصناهم ضده بالتاريخ ؟ :
عرفت أرض فلسطين في التاريخ القديم وحتى عام 1200 ق م بأرض كنعان ، وإطلاق  هذا الاسم عليها جاء فيما يسمى اليوم التوراة ، في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التكوين ، كما أطلق هذا الإصحاح نفسه عليها " أرض فلسطين ". وفي هذه الأرض نشأ إبراهيم وأبناؤه عليهم السلام ، حتى نزح منها حفيده يعقوب عليه السلام ، هو وأبناؤه قاصدين مصر . وهنا تنقطع صلتهم بهذه الأرض حتى جاءوها غزاة بقيادة يوشع حيث استولى على أريحا وقتل جميع سكانها ، ودمرها وقومه عن آخرها ، وذلك في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وتذكر التوراة – أو ما يسمى التوراة – أن غزوهم لفلسطين صادف مقاومة باسلة عنيدة من الكنعانيين ، أو الفلسطينيين أصحاب البلاد ، ويذكر سفر صموئيل الأول 4: 2 " واصطف أصحاب البلاد للقاء إسرائيل ، واشتبكت الحرب ، فانكسر إسرائيل أمام الفلسطينيين وضربوا " ويذكر هذا السفر أيضا أن بني إسرائيل " هربوا كل واحد إلى خيمته وكانت الضربة عظيمة جدا وسقط من بني إسرائيل ثلاثون ألف رجل " .
فإذا أردنا أن نعرف بدء علاقتهم – أي العبرانيين – بمدينة بيت المقدس بالذات فإننا نجد أن هذه المدينة كان لها وجود حافل قبل أن يدخلها العبرانيون بألفي عام . فهي مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى أكثر من ثلاثين قرنا قبل الميلاد ، وقد عاصرت حضارات كثيرة ، وكان لها مع كل منها شأن ، ونظرة عابرة إلى أسمائها التي عرفت بها في التاريخ تشير إلى تلك الحقيقة ، فهي يبوس كما ورد اسمها في سجلات الفراعنة ، وهي أوروسالم كما كان اسمها عند الكنعانيين ، وهي أورشليم كما سماها العبرانيون ، وهي يروساليم كما هي عند اليونانيين ، وهي هيروسلما أو سوليموس أو إيليا عند الرومان ، وهي القرية أو بيت المقدس أو البيت المقدس أو القدس كما سماها العرب والمسلمون تاريخ القدس للسيد عارف العارف ص 11 وما بعدها
وكانت مدينة القدس في ابتداء أمرها صحراء خالية بين أودية وجبال ، وكان أول من اختطها (ملكيصادق ) ومعناها بالعبرية ملك الصدق ، والصحيح أن ملكيصادق متأخر في الزمن عن الجيل الأول الذي عاش في هذه البقعة المباركة ، ففي أول الأمر كان المقيمون بها قبائل تعيش في حالة من البداوة الأولى ، وكان ذلك قبل أن يفكر ملكيصادق في تخطيط مدينته على أي شكل من الأشكال . وكما يذكر المؤرخون فإن أول من أقام بها  بطن من بطون العرب الأوائل التي عاشت في فجر التاريخ في الجزيرة العربية .ويذكر المؤرخون أنهم كانوا يسمون اليبوسيين ، تسمية أطلقها عليهم الفراعنة كما يظهر في آثارهم ، ولقد رحل هؤلاء اليبوسيون إلى أرض مدينة القدس حوالي 3000 سنة قبل الميلاد ، واستوطنوا بها وارتبطوا بترابها ، حتى إنهم كانوا بعد ذلك أصحابها الشرعيين ، صدوا عنها غارات المصريين ، كما صدوا عنها غارات قبائل العبرانيين التائهة في صحراء سينا . ولقد نجحوا في بناء مدينتهم وعمارتها ونجحوا في صد الغزاة عنها أزمانا طوالا  عند ما كانوا متحدين ، فلما تفرقت كلمتهم اشتد طمع العبرانيين فيهم مما اضطرهم إلى التحالف مع المصريين ، وطلبوا عون تحتمس الأول في القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، فلبى رغبتهم ، وساعدهم في صد غارات القبائل العبرانية ، وأدت بهم هذه الاستعانة إلى نوع من الخضوع لسلسلة من فراعنة مصر لمدة قرنين من الزمان ، ، وجدير بالذكر أن هذه الاستعانة أو هذا الخضوع لم يفقدهم كيانهم كشعب متماسك يمارس حياة خاصة ، ويحتفظ بحقه في حكم نفسه ، إذ كان المصريون يكتفون بتحصيل الجزية من أهلها .
ولما كان العبرانيون يبحثون لهم عن مستقر لهم يقيهم تيه الصحراء فإنهم استمروا في محاولتهم دخول يبوس وأخيرا وبعد لأي تمكنوا من ذلك في عهد داود عليه السلام حوالي 1049 ق م ، وهنا جاء ت بداية الوجود العبراني في مدينة القدس " يبوس " : حدث بعد أكثر من ألفي عام من وجودها أنظر تاريخ القدس للسيد عارف العارف ، والأنس الجليل بناريخ القدس والخليل لأبي اليمن مجير الدين الحنبلي .
[1][1]  أنظر القدس لسامي حكيم ص 13 وما بعدها
وتؤكد التوراة – أو ما يسمي بذلك – أيضا غربة اليهود عن القدس ، ففي سفر القضاة  19: 11و13 نجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف يبوس – بيت المقدس – ( وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده : تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها ، فقال له سيده : لا نميل إلى مدينة غريبة ، ليس أحد من بني إسرائيل هنا ) .

كل الدلائل تشير إلى  أن فلسطين قد عمرها اليبوسيون العرب قبل أن يظهر اليهود في يبوس (القدس ) بألفي عام  ، ثم  دخل اليهود يبوس في عصر جد متأخر ، على يد داود عليه السلام واضطر أهل البلاد الأصليين إلى التعايش مع الغزاة ، ،ويؤكد المؤرخ برستيد أنه حتى في الفترة التي كان لإسرائيل فيها كيان ونفوذ في يبوس وفي عصرهم الذهبي كان ملك إسرائيل بمثابة وال على فلسطين تحت السيادة المصرية  أنظر القدس لسامي حكيم ص 13 وما بعدها
ومما سبق يتبين أن داود وسليمان عليهما السلام لم يكونا مؤسسي مدينة القدس ، وإنما كانا فاتحين لها بعد ألفي ستة من وجودها ، وكانت عمارتهما لها هي كما يقول صاحب الأنس الحليل ( .. تجديد البناء القديم )
والأهم من ذلك هو إلى متى استمر الكيان السياسي لليهود في فلسطين ؟
بعد موت سليمان عليه السلام حوالي 975 ق م انقسمت المملكة إلى شطرين : شطر يسمى إسرائيل وعاصمتها نابلس دامت نحو مائتين وخمسين عاما ، وانتهت عام 721 ق م ، حيث قضى عليها ملك آشور ، ولم تقم لها قائمة بعدها ، والشطر الثاني : يسمى أورشليم ، مملكة يهوذا في الجنوب ، وقد عاشت أكثر من أختها ، وفي عام 599 ق م دمرها بنوخذ نصر وسبى جميع أهلها وأرسلهم إلى بابل ، وراح اليهود يعيشون بعد مملكتهم هذه التي استمرت ما يقرب من أربعة قرون فحسب كطائفة دينية يرأسها كاهن ، حتى ظهر المكابيون وقاموا بثورتهم واستولوا على أورشليم عام 167 ق م وظهر منهم الرؤساء والملوك . وبعد فترة وجيزة كانوا خاضعين للحكم اليوناني مرة وللروماني  مرة أخرى رازحين تحت عبء التنازع السياسي والفساد الداخلي ، وذاقوا الدمار ثلاث مرات متوالية على يد الأباطرة : بومبي ، وتيطس ، وأدريانوس ، وكان أن قضي على دويلتهم الهزيلة ، ولم يقم لهم دولة أوكيان بعد ذلك خطر الصهيونية على الإسلام والمسلمين لعبد الله التل ص 23 وما بعدها.
ومما تقدم يتبين أن وجودهم بها حدث واستمر كغزاة ، تقوم العلاقة بينهم وبين أصحاب الأرض الأصليين على هذا الأساس ، كما يتبين أيضا أن كيانهم السياسي لم يقم بهذه الأرض إلا في فترة متأخرة جدا ، ولبضعة قرون لا تكاد تتعدى في عددها أصابع اليد الواحدة من بين خمسين قرنا مرت على هذه الأرض وهي مأهولة متحضرة بأهلها الأصليين .
وليس أدل على ضعف ارتباطهم بها من أن زعماء الصهيونية في العصر الحديث عندما بدأوا يفكرون في بناء وطن قومي لهم ، ساغ لبعضهم أن يتجهوا بتفكيرهم إلى بلاد أخرى غير فلسطين ، فهذا البارون هيرشي اليهودي الألماني الثري يرى أن الأرجنتين هي أصلح مكان يمكن إقامة دولة اليهود عليه ، بل إن هيرتزل نفسه كان على استعداد لقبوله في سورية أو البرتغال ، أو سيناء أو قبرص أو العريش أو موزمبيق أو طرابلس أو أوغندا أو الكونغو -  أنظر القدس لسامي الحكيم ص 36 وما بعدها -  لولا أن بادرت المصالح الاستعمارية إلى ربط عجلتها بالمطامع الصهيونية فتكاتفا على إحداث المأساة .

وما ذا يعرف المسلم المعاصر عن إسلامية بيت المقدس  منذ فجر التاريخ ؟
لقد تحققت هذه الإسلامية منذ وجود إبراهيم عليه السلام بها ومن بعده ذريته من الأنبياء أنبياء الإسلام  وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها بأكرم وأرفع وأخلد مجموعة عرفها هذا الكون من البشر ومن الملائكة اجتمعت لأول مرة بقيادته ليلة الإسراء والمعراج ، ووضعت حجر الأساس في الوجود الإسلامي المحمدي في المنطقة ، ولقد تابع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تنفيذ هذه الغزوة الملائكية بغزوة تبوك ، وسار من بعده على الدرب أصحابه ، فأذن عمر رضي الله عنه لقائد جيشه على الشام بفتح بيت المقدس فأرسل أبو عبيدة بن الجراح – وقد عسكر بالأردن – إلى بطارقة أهل إيلياء وسكانها سلاما ودعوة إلى الإسلام : ( فإن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم وكنتم لنا إخوانا وإن أبيتم فأقروا لنا بأداء الجزية ) الأنس الجليل ج2 ص 246 وما بعدها
وبعد القتال أرسلوا إليه يطلبون الصلح على أن يعطيهم الخليفة نفسه الأمان والعهد ، وقد انتقل إليهم الخليفة عمر بن الخطاب حقنا للدم وتوفيرا للجهد ، وتوقيا من التطاول في الأمر ، وأعطاهم العهد الذي جاء به شرطان : أن لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وأن يخرجوا منها الروم . وأغلب الظن أن الشرط الأول لم يكن محض استجابة من عمر رض الله عنه لرغبة أبداها البطريرك ولكنه كان إلهاما عمريا دفعه إلى هذا الشرط كما دفعه إلى الشرط الثاني ، ونكبة فلسطين التي نعيشها اليوم بأقسى ظروفها إنما كانت نتيجة الإخلال بهذين الشرطين ، فقد سمح لليهود ، وسمح للاستعمار بأن يدوسا بأقدامهم تلك الأرض المطهرة وتلك بداية الكارثة.
ولقد كان طلب البطريرك دليلا على عدم وجود اليهود بتلك الأرض ، ولكن اليهود تسللوا بعد ذلك من نافذة التسامح ، بل نقول من ثغور التساهل الذي كان المظهر المنحرف للتسامح الحكيم ، فقد سمح لبعض اليهود أن يكونوا بين خدام المسجد الأقصى يسرجون مصابيحه بعد أن بناه عبد الملك بن مروان ، ثم منع عمر بن عبد العزيز ذلك من بعد  الأنس الجليل ج1 ص 218 وما بعدها
ولقد استمر بيت المقدس بأيدي المسلمين من حين الفتح العمري إلى سنة 492 هـ عندما استولى الفرنجة على بيت المقدس ، وقد قصدوه في نحو مليون مقاتل ، وحاصروه نيفا وأربعين يوما ، واستولوا عليه في شعبان من تلك السنة ، ولبث الإفرنج يمارسون عملية قتل المسلمين بالقدس أسبوعا ، وقتل آنذاك داخل المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف مسلم ، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وساداتهم وعبادهم وزهادهم ، وحصروا الباقين ودعوهم إلى الخروج قبل ثلاثة أيام على الأكثر ،وإلا قتلوهم عن آخرهم ، فسارع الناس إلى الخروج ، وقتل في زحام الخروج خلق كثير ، لايحصيهم إلا الله سبحانه ، ومارس الفرنجة النهب بعد أن فرغوا من القتل ، وذهب الناس مطرودين من الشام إلى العراق الأنس الجليل ص 305 وما بعدها
واستمر بيت المقدس وما جاوره من السواحل بيد الفرنجة إحدى وسبعين عاما حتى استرد البيت صلاح الدين عام 583 هـ ، ثم استرجعوه في عام 626 هـ ،وتم استرداده مرة أخرى على يد الملك الصالح عام 642 هـ .


إن المسجد الأقصى الذي يزاحمه الصهاينة ويتهددونه بأوهامهم عما يسمونه هيكل سليمان فيجب أن يعرف المسلم أن له تاريخا أقدم من تاريخ داود عليه السلام . قال الإمام أبو العباس القرطبي : يجوز أن يكون بناه الملائكة بعد بنائه البيت المعمور بإذن الله تعالى وظاهر الحديث يدل على ذلك . والإمام القرطبي  يشير في هذا إلى ما رواه المحدثون عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : " قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا ؟ قال : قلت : ثم أي ؟ قال : بيت المقدس قال : قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون عاما  .) أخرجه الإمام أحمد وغيره
ومن العلماء من قال: بناه آدم عليه السلام ، ومنهم من قال : بناه سام بن نوح عليهما السلام ، ومن من قال : أو ل من بناه وأري موضعه يعقوب بن إسحاق عليهما السلام . وقد تأول بعض العلماء معنى الحديث الشريف الوارد في أن بناء المسجد الأقصى كان بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة على أن المراد به بناء يعقوب عليه السلام للمسجد الأقصى بعد بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة الشريفة .
والصحيح ما ذكره  صاحب الأنس الجليل في تعليقه على ما تقدم بقوله : وهذه الأقوال تدل على أن بناء داود وسليمان عليهما السلام إياه إنما كان على أساس قديم لا أنهما المؤسسان له ، بل هما مجددان ، وكل قول من الأقوال الواردة في بناء المسجد الأقصى لا ينافي ذلك : على أساس أن يكون بناه الملائكة أولا ، ثم جدده آدم عليه السلام ، ثم سام بن نوح عليهما السلام ، ثم يعقوب بن إسحاق عليهما السلام ، ثم داود وسليمان عليهما السلام ، فإن كل نبي منهم بينه وبين الآخر مدة يحتمل فيها ان يجدَّد البناء المتقدمُ  الأنس الجليل ج1 ص 7 وما بعدها
هذا المسجد كان موجودا قبل داود عليه السلام ، بدلالة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن هذه المنطقة كانت معمورة قبله ، وكان ممن عمرها من يعبد الله على حق من الأنبياء واتباعهم ، فهل عاش هؤلاء جميعا دون أن يبنوا لله مسجدا بالأرض التي عاشوا فيها تأسيسا كان بناؤهم أو تجديدا ؟  
الصحيح أنه كان لإبراهيم عليه السلام نصيب في بناء مسجد لله في الأرض التي عاش فيها في فلسطين ، وعند ما يأتي داود عليه السلام فإننا نتوقع أن يبحث عن بناء أقامه أجداده ليجدده  ، ثم بعد ذلك عندما نتدبر جمع الأنبياء للصلاة بالمسجد الأقصى في الإسراء فإننا نحس بأنهم جمعوا في المكان الذي صلوا فيه .
وإذن فالصحيح أن البيت أقدم من داود عليه السلام وأنه يمتد إلى زمن إبراهيم ثم إلى أقدم منه . إذ يكون أول بيت وضع للناس للذي ببكة وضعه الملائكة ، أو بناه آدم ، - ولا يصح افتراض أن لا يكون في هذا العهد بيت للناس إلى أن يأتي إبراهيم عليه السلام ، -  ثم يكون البيت الثاني قريبا من هذا الوقت ؛ وقت آدم ، لأن ما بينه وبين البيت الحرام لا يتعدى أربعين عاما كما هو صريح الحديث الشريف ، إذن فإن ما فعله إبراهيم أو داود عليهم السلام لم يكن إلا التجديد لما تهدم بمضي الزمان .
وعلى أي حال فليس لإسرائيل اليوم أن تزعم لنفسها حقا في هذا المكان المقدس  .
أولا : لأن هيكل داود وسليمان عليهما السلام ليس له أثر على الإطلاق ، بعد أن دمر أكثر من مرة وأقيم مكانه معبد الإله جوبيتر .
ثانيا : لأن المسلمين أولى بداود وسليمان لأنهما صاحبا دعوة إلى الإسلام شأن جميع الأنبياء  .
ثالثا : لأن اليهود هم الذين دنسوا من قبل معبدهم . ذلك أن الملك يهواش ملك إسرائيل أغار على المدينة واستباح هيكلها وغنم ما فيه من التحف والآنية ، ثم قفل إلى السامرة ، وجاء في العهد القديم خبر وفاته على النحو المقبول في عقيدتهم ، فقيل : إنه اضطجع مع آبائه ، أي قضى غير مغضوب عليه .
ولقد دنسوه أيضا إذ قبلوا في فترة من الفترات بوضع الأصنام به ، وشاركوا في عبادتها كما تخبر بذلك التوراة نفسها .  
أما المسلمون فقد كانت عنايتهم بالمسجد وتقديسهم له نابعا من شعورهم الديني العميق الأصيل بوحدة الأنبياء ووحدة الدين .
لقد وجد عمر رضي الله عنه المكان ممتلئا بالقمامة التي وضعتها النصارى فيه ، ذلك أن الملكة هيلانة عند ما زارت إيليا وبنت فيها كنيسة القيامة عام 325 م   - تاريخ القدس لعارف العارف ص 38 -
جعلت مكان الصخرة مطرحا لقمامات المدينة ، وفي الفتح العمري جعل عمر يكنس القمامة بيده والمسلمون معه ، وبعد أن فرغ من ذلك صلى هناك ، وبعد أن فرغ من ذلك صلى هناك ، وهناك أقيم المسجد ،  ثم جاء عبد الملك بن مروان فبنى في نفس المكان مسجد قبة الصخرة  ثم أعاد بناء المسجد الأقصى ورتب له الخدم والقوام ، واستمرت عناية الدولة الإسلامية به على توالي العصور حتى مجيء نكبة فلسطين على يد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.

نقف هنا لنسأل : ماذا كان عدد اليهود في فلسطين  ؟
في الفتح العربي لم يكن بها أحد من اليهود . فإذا انتقلنا سريعا إلى وقت الاحتلال الصليبي عرفنا أنه لم يكن بها غير المسلمين والمسيحيين ،وأنه لم يكن بها يهودي واحد ، وعندما فتحها صلاح الدين لم يكن بها يهودي واحد كذلك .
وفي عهد السلطان محمد الرابع 1670 م كان بها من اليهود عدد لا يزيد على مائة وخمسين ، ثم إن عددهم أخذ يتزايد منذ أواخر القرن قبل الماضي مما دعا الحكومة التركية عام 1882 م إلى إصدار قانون حرمت فيه الهجرة اليهودية وشراء اليهود للأراضي ثم عدلته بعد ذلك بسبب مسعى أمريكي ، وأعطت اليهود حق الدخول إلى فلسطين والبقاء فيها لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر .
ولكن الذي حدث إثر ذلك هو أنهم دخلوا الأرض المقدسة وأقاموا بها وتكاثروا وأنشأوا الكنائس . ولما استقر الأمر للاحتلال البريطاني أخذت الهجرة اليهودية تتزايد ، ولم يكن لها شيء يبررها في غير منطق الاستعمار الاستيطاني  تاريخ القدس للسيد عارف العارف ص 191 ، 236 ، وما بعدها

ومما عرضناه يظهر وفقا للحقائق التاريخية أصالة  الوجود الإسلامي العربي وعراقته بهذه الأرض المقدسة وهي تثبت في الوقت نفسه عرضية الوجود الإسرائيلي بها وقيامه على الغزو و الطغيان الموقوت نسبيا ، ولم تكن العوامل التي  مكنت لإسرائيل في العصر الحديث راجعة لشيء بقدر رجوعها إلى جهل المسلمين بتاريخهم وتخاذلهم في واجباتهم ، وتفريطهم في حقوقهم ، ثم إلى قيام التحالف بين الصهيونية الاستيطانية ،  والمسيحية المتصهينة والاستعمار الغربي ، وهو لم يكن قط تحالفا إنسانيا ، ولكنه محض تصفية حساب تاريخي بين أوربا وبين الإسلام .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه عموما وبتاريخ فلسطين ، وتاريخ القدس بخاصة . . إن المسلم المعاصر لو سئل عن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تحميل كتاب التاريخ الاسلامى مجانا يحتوى على 4مصنف من كتب التاريخ الاسلامى
»  تاريخ و حضارة البحر المتوسط تخصص تاريخ حديث و معاصر الشروط المطلوبة موجودة بالاعلان وظائف جريدة الاخبار الاحد 02-06-2013 - مطلوب للعمل لدى وزارة الزراعة و
» دفاع عن تاريخ الاسلام
» أربع قواعد من قواعد الدين يميّز بهن المسلم دينه من دين المشركين لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
» تحميل مجانى لمجموعة كتب من الموسوعة الميسرة التاريخ الاسلامى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
dubizzle دوبيزل :: المنتديات الاجتماعية (Social forums ) :: كنوز الاسلام (كتاب الله وسنة محمد ص الله عليه وسلم )-
انتقل الى: