محللون سياسيون في واشنطن: أوباما أخطأ باستخدام ورقة المساعدات للضغط على مصر
فور إعلان مصر عن حل جماعة الإخوان وبدء محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي في الرابع من نوفمبر المقبل، أعلنت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة ستوقف تسليم معدات عسكرية أمريكية كبيرة وتحويلات نقدية إلى الحكومة المصرية المدعومة من الجيش، إلى حين حدوث تقدم في طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن قرار تعليق المساعدات لن يشمل تلك المخصصة لمكافحة الإرهاب وتأمين الحدود.
ومن جانبها، قالت مصادر مصرية مطلعة إن القرار لم يكن مفاجئا لمصر، وبدأت مؤشراته في يوليو الماضي عندما امتنعت الإدارة الأمريكية عن تسليم مصر الدفعة الأخيرة من طائرات "إف 16" وكذلك صفقة أباتشي لم يعلن عنها حينها. وأضافت المصادر، لـ"الوطن"، أن القرار الأمريكي خرج في شكل عنوان سياسي يخاطب الداخل الأمريكي في الأساس، في إطار الصدام الراهن بين الإدارة والكونجرس الأمريكي، ومصر هي أحد فصول هذا الصدام، وأن القرار خرج مبهما لم يوضح تفصيلات تتعلق ببعض المسائل الفنية التي يتضمنها برنامج المساعدات.
- اقتباس :
- مصادر لـ"الوطن": برنامج المساعدات كانت تستفيد منه الشركات الأمريكية ويعمل به 40 ألف موظف أمريكي
وشددت المصادر أن برنامج المساعدات العسكرية ليس منحة أو هبة تقدم لمصر ولكنه يحقق مصالح مشتركة وتستفيد منه الشركات الأمريكية بشكل مباشر، ويكفي أن عدد العاملين به يتجاوز أربعين ألف موظف أمريكي فضلا عن المزايا التي تحصل عليها الولايات المتحدة مقابل هذه العلاقة الثنائية المميزة التي خلقها برنامج المساعدات.
وقال الدكتور محمد أبو نمر أستاذ العلاقات الدولية ورئيس معهد السلام والتنمية في واشنطن، أن القرار يعكس بجلاء حالة التخبط التى تعاني منها الإدارة الأمريكية والتي لم تفارقها منذ الثالث من يوليو الماضي تجاه مصر.
وأضاف، في حديثه لـ"الوطن"، قائلا "فى تقديري أن القرار هو أداة ضغط معلنة لضغوط تجرى خلف الكواليس من قبل الإدارة على مصر من أجل استيعاب جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية الجارية، ولكن يبقى الشق المعلن هو الأساس في التقييم، وهو أن القرار رسالة إلى الحكومة المؤقتة وللمؤسسة العسكرية بعدم الاقتناع الامريكي بالخطوات الموجودة على الأرض وكذلك تعبير أمريكي واضح بأن حكومة الببلاوي لم تحرز تقدما منشودا في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وأشار أبو نمر أن "المتابع للسياق الأمريكي تجاه ماتشهده الساحة المصرية وتنقلات الموقف الأمريكي لمناطق متباعدة في فترات زمنية قصيرة يستشف بسهولة الأزمة التي تعانيها إدارة أوباما وأنها ارتأت أن الوقت بات مناسبا الآن لكي تجد ورقة جديدة في مواجهة بعض الأصوات في الكونجرس التي ترفض مبدأ المساعدات من حيث الأساس".
في حين يرى متخصص الشئون المصرية في معهد واشنطن عادل العدوي أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته باتخاذه مثل هذا القرار فقد ارتكب خطأ كبيرا.
وأضاف، في تصريحات لـ"الوطن"، أن هذا القرار سوف تكون له عواقب هائلة على مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية يقدرها الجيش الأمريكي جيدا، أخذا في الاعتبار أن قرار أوباما بتعليق أو وقف المساعدات لن يغير شيئا في مصر، ولن يدفع الحكومة المؤقتة أو المؤسسة العسكرية المصرية لتغيير سياساتها بل على العكس سيغذي ذلك الشعور العام لدى المصريين بأن إدارة أوباما مصرة على دعم الحكم الفاشي للإخوان المسلمين، وأنه لايعترف بالثورة التي قام بها الشعب في 30 يونيو ومن غير المنتظر أن ينسى الشعب المصري هذا الموقف للإدارة الأمريكية.
وقال "بطبيعة الحال فإن هذا القرار قد انحرف عن الفكرة التي من أجلها قام برنامج المساعدات العسكرية وهو أن تدخل الولايات المتحدة في شراكة إستراتيجية وأمنية مع أقوى جيش في المنطقة العربية والآن يتم استخدامها صراحة لتوجيه المسار السياسي الداخلي في مصر، وهو مايفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات، وذلك على الرغم من كون مثل هذا القرار اتخذ والعلاقات العسكرية بين البلدين قوية، ولكن قد يبدو في الأفق على الأقل أحد احتمالين أولهما هو أن تتعامل الحكومة المصرية بقدر من الاستيعاب للقرار وترضى بما أعلنته الولايات المتحدة وقبول واقع المساعدات الجزئية من قبل أمريكا أما الاحتمال الثاني هو ان ترد الحكومة المصرية والمؤسسة العسكرية بقوة على القرار بالتوجة لشراء صفقة اسلحة من دول أخرى وفي مقدمتها روسيا والصين، وقد يتم تمويل هذه الصفقة خليجيا".
وأكد الدكتور هشام النقيب أستاذ الدبلوماسية العامة بالجامعة الأمريكية في واشنطن، أنه لايجوز أبدا اختصار العلاقات المصرية الأمريكية في إطار المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، فالولايات تعي جيدا أن المؤسسة العسكرية المصرية هي العمود الفقري الذي طالما قامت عليه العلاقات المصرية الأمريكية الثنائية، والعلاقة العسكرية المصرية الأمريكية هي كانت وستظل بمثابة صمام الأمان ليس فقط لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها وإنما وكما يراها العديد من المحللين الأمرييكين بمثابة الضامن الرئيسي للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بل وللتوزان الإستراتيجي والأمني الذي يؤكد على التوازن الجيوبولتيكي في الشرق الأوسط.
وأضاف لـ"الوطن"، أرى أن هذه الخطوة التي اتخذت كانت بمهدف الاستهلاك المحلي، بخاصة في ظل الوضع القائم داخل الكونجرس الأمريكي المشتعل بخلافته مع الإدارة الأمريكية حول العديد من الموضوعات السياسية والاقتصادية، والتي أضفت بظلالها على الميزانية الأمريكية والاقتصاد الأمريكي برمته، بل وأدت إلى اتخاذ قرار بإغلاق الحكومة الأمريكية، وإن كانت هذه الخطوة اتخذت في هذا الإطار، فقد أكد العديد من المحلليين الأمريكين أن هذه الخطوة وقتية وظرفية لن تتجاوز الإطار الزمني الموضوع لها، لعلم الجميع بأنها لن تؤثر بأي حال من الأحوال على وضع المؤسسة العسكرية المصرية أو مكانتها. وقال النقيب أتوقع خلال الفترة القليلة القادمة إن الولايات المتحدة ستقوم بخطوات تكميلية أو خطوات بديلة لرأب أي صدع قد يحدث لعلاقتها الثمينة بمصر والتي لاتقدر بأي مساعدات، والدليل على ذلك هو إصرار الإدارة للإبقاء على باب المساعدات مفتوحا من خلال المساعدات الممنوحة لمكافحة الإرهاب وتأمين الحدود وعدم الاستجابة للمطالب بالقطع الكلي للمساعدات.